-
menu
عندما تستمع إلى الفنان سامي بن عامر يتحدث بشوق المتصوفة عن بحثه عن الأرض التي أرادها أن تتجلى بتوهج، يخيل إليك أنها احتضنته ودارت به دورانا تصاعديا نحو مطلق وجد نفسه فيه صحبة ملائكة جعلها الخالق مبدأ خلقه. وقديما قال أخوان الصفاء "في طبائع العقلاء اشتياق إلى أحوال الملائكة والتشبه بهم". اشتاق سامي إلى مقام هذه الملائكة المسكونة بالروح الإلاهي والتي رغم أنها كذلك فقد رفضت حمل أمانة الخلق فحمل وزرها الإنسان محاكيا للقوة الطبيعية تشبها بها وتشبها بخالقها.
لقد أراد سامي أن يسمُوَ ويسمُو بهذه الأرض، اقرب الكائنات إلى "الطبيعة" التي طبعتها، شأنه شأن كل الفنانين الباحثين عن المعرفة عبر الإبداع والإبداء. فكان مُبدءا ومبدعا لعالم أو لنقل لعوالم صغيرة، فضاءاتٌ تحركت والتمعت بفضل الفكر/ العقل المخترق لها والمنغمس فيها، هذا الفكر الذي حمل الشكل وهذا الشكل الذي تخصب بالمادة/ اللون، فكان نسيجا مشبوكا أوقع المادة الممتدة في شراكه. تشكلت المادة لتكون رامزة دالة لا فقط للأرض وما عليها من موجودات عضوية ولمورفولوجيتها، بل أيضا لرمزيتها الشكلية التي تفعلت تشكيليا وتوهجت بتوهج نحو أبصارنا لتلتذ بها وتطرب. ونسينا توهج الأرض وتجليها ودخلنا هذا الكون الصغير الذي جعله الفنان أكوانا تتعدد فيه العناصر وتتنوع كما تنوعت كائنات الأرض وتعددت...أكوان لا ندري عند الحديث عنها هل نبدأ بإعلان أشكالها الأساسية مربعة ومستطيلة ودائرية أم نسعى إلى تجاوز هذه الأشكال لندخل عبرها حديثا إلى لعب الأنسجة التي تدعونا بإلحاح إلى عدم الاكتفاء بتأملها بل إلى لمسها وتحسسها لإدراك حسيتها، أم إننا نتجاوز الأنسجة لندرك تآلفها وتآلف هيئتها في مدارها حول مراكز اهتمام تارة أو سيرها وفق نسق مفردي تارة أخرى.. هيئات أنسجة تنتظم ضمن سنفونية، تحرك مسارات وقعها نغمات موسيقية، مسارات تتقاطع أفقيا وعموديا في حركة صاعدة/ نازلة أو هي دائرة دوارة تسعى إلى معانقة أهلة.
لقد أراد سامي لأشكاله الناتئة/ الغائرة بلطف أن تمثل وحدات مفردية في هيئات كلية وأراد لكل مفردة أن تختص بما يميزها في هيئات فردية وكأنه أراد أن يجد تناغما بين الذاتي والموضوعي في إطار هذه المفردات التي كونت بذاتها شبكات عوض أن تنتظم فيها. وكان توليده لهذه الشبكات منتجا لنسيج يشبه في نسجه نسج الخطاط لحروفه على جدار، بحفره تارة ونقشه تارة أخرى فكان "رقشا".
كان رقشا في أرض غير الأرض التي نعرف، أرض يتأرجح فهمنا لها ويترجرج، أرض تخيلها سامي مستخلصا لخواصها ككيمياء عضوية تتظهر في فيزياء بصرية. كيمياء وفيزياء لا تنتهي إلي العلوم البيولوجية بل إلى أركيولوجياء ذاكرتية وهندسة فكرية صوفية اخترقها برسمه ورشمه ألوانا نورانية وأنوارا لونية. ألوان/ أنوار تشعرنا بالدفء تارة وبالحرارة تارة أخرى. ينتابنا هذا الشعور إثر تجوالنا صحبة سامي وسيرنا معه في ثنايا هذه الألوان/ الأنوار... ثنايا تناسب في مسار الطيف القزحي إذ ننتقل معه من الأزرق إلى الزرقة ونتحول في بهاء نحو الأخضر المخضر حتى الأصفر المحمر ومن ثمة نلج في رحم بركان ناري سرعان ما تخمد حممه ليصبح رمادا يتلألأ بياضا/ سوادا.
ولا نملك بعد مشاهدتنا لأكوان سامي الأرضية إلا أن نتساءل التساؤل الجميل: من تجلى في هذه الأكوان هل هي الأرض بما هي أرض وبما يحمله لفضها واقعا كان أو مجازا، أم أن سامي هو الذي سما وتسمى مختلفا ليكون سمة تتجلى عبر خروج ما في قوته إلى الفعل، بتخيله هذه الأرض مغايرة ومفارقة لوجوده، ناشدا أنشودة منشودها.
الحبيب بيدة
كاتلوق معرض جلال الارض 2007 رواق كاليستاي