عني

"إنني أطمح إلى إنتاج تشكيلي ينفتح بالتباس على ما هو آت، مذعنا بسيولته إلى التحولات الغامضة. أحاول إبراز ما كمن في مادة خصبة ولود. تقتفي تجربتي التشكيلية أثر حدث أثيره ضمن سياق إبداعي أعمل على أن تمتزج فيه الصدفة بالضرورة وأن ينصهر فيه الجسد والفعل في المادة وأن ينضم فيه العقل إلى الحواس، وأن يتفاعل فيه الوعي واللاوعي وأن يبرز فيه الخيال والحلم.

إن كانت العناصر المادية في صلاتها وتداخلاها ضمن العمل التشكيلي متفرعة ولا متناهية، مثلها مثل خيال المبدع المتدفق، فان الطرق التقنية كذلك متعددة ومرنة. لا أعتبر أن التقنية وسيلة عمل جاهزة للتطبيق وقاعدة ثابتة موروثة ومتناقلة، بل إني أحلم دائما بتقنية مكتشفة، مغامرة ومبدعة، تصبح سراجا مضيئا في طريقي للبحث عن مضامين تشكيلية ممكنة.

إن أدوات العمل التي أستخدمها متعددة ومتنوعة. قد تكون فرشاة أو مجرفة، قلما مهشما أو ممسحة، أوراق جرائد أو قطعة من الإسفنج، مهما يكن، كل ما يهمّني هو ما تضيفه الأداة إلى الشكل من معنى و ما تحدثه من تعبير أرغب فيه وقد لا أرغب.

إن التباين هو الرابط بين الأشكال التي أسعى إلى إبرازها. أقابل في نفس اللوحة الخارج بالدّاخل، الناتئ بالغائر، الدّاكن بالمضيء، السّائل بالصلب، السّميك بالرّقيق، الكامد بالشفّاف ،الأملس بالأحرش، فيتم التّوازن و يتكون المعنى و يبرز التعبير. أليس التناقض أساس توازن الكون؟

بقدر ما أطلقت العنان للألوان في إشراقاتها وتبايناتها في أعمالي المنجزة في بداية التسعينيات، إنني اليوم اقتصد فيها.

دعوة لاكتشاف ما بطن أردته أن يكون لقاء هذا الأسود مع الأبيض أو هذا الرمادي الملوّن الهامس من داخل أصنعه. إن اللون في قمة إشباعه قد يدغدغ الحواس فيغريها فيغالطها، فيتراءى السطح ويحجم الباطن.

كتب الأول واصفا رسومي "بمجموعة الكهوف الروحانية"، و تحدث الثاني قائلا أن "الروح محورها"، و قال آخر، إنها "تحت أرضية"، تكشف عن دهاليز يسكن فيها اللاوعي. صحيح أنني أبحث عن عالم داخلي غامض يتزامن فيه الحاضر والغائب، أتعمد صنعه و توليفه ، فأوظف له اللون و الخطوط والنسيج والضوء، غير أن لبس هذا العالم الذي أبدعه سرعان ما يغمرني أنا نفسي، فينفصل عني ليصبح مستقلا بذاته ومؤسسا للمعنى

alt text
alt text