-
القائمة
جريدة الشروق 16 فيفري 2023
الزبير التركي.
من جماعة مدرسة تونس
ولد الزبير التركي سنة 1924 وزاول تعلمه بجامع الزيتونة. وتلقّى خلال فترة قصيرة تعلما بمدرسة الفنون الجميلة بتونس ثم غادرها ليلتحق بمعهد الدراسات العليا حيث تلقى فيها تكوينا أدبيا إلى حدود 1946.
دَرَسَ الفنون طيلة سنتين في مدرسة الفنون الجميلة بستوكهولم. وعاش فيها طيلة ست سنوات. وعاد الى تونس عام 1958 ليلتحق بمدرسة تونس. وقد ساهم في تأسيس الاتحاد القومي للفنون التشكيلية والغرافية الذي ترأسه طيلة سنوات، مثلما ساهم في تاسيس الاتحاد المغاربي للفنون التشكيلية...
يعتبر الزبير التركي من اهم افراد جماعة مدرسة تونس. وقد كسب شهرة كبيرة في تونس لالتصاق مواضيع رسومه بالحياة اليومية التونسية ولقدرته الفائقة على رسم تعابير وجوه شخوص يستدعيهم من الذاكرة (الفلكلور)، او شخوص حية يعاشرهم في حياته اليومية. وما زاد في شهرته، اعتماد رسومه في الكتب المدرسية والطوابع البريدية ونشرها في الجرائد اليومية.
تحيلنا لوحته بعنوان "لاعبو الورق" (غواش على ورق- 65 على 85 سم - 1975) إلى مشهد داخلي لأحد المقاهي بالمدينة العتيقة يجمع ثلاثة شخوص حول رقعة صغيرة خُصّت للعب الورق. وما يثير الانتباه، تركيز الزبير التركي على ملامح هذه الشخوص بطريقة تجعلنا متأكدين أنها ليست من ضرب الخيال بل حقيقة. فالزبير التركي عندما يتحدث عن لوحاته لا يتردد دائماً في ذكر أسماء الشخصيات التي رسمها، مركزا على طباعها وقسمات وجوهها وملابسها وطريقة جلوسها. و في المقابل يرى أيضا أنها من محض خياله وحلمه.
ترتدي الشخصيات الثلاث ثيابا تقليدية تونسية كالشاشية والبرنس والفرملة، مما يحيلنا الى إطارها الثقافي والتاريخي وتتوزع على كامل مساحة اللوحة، تاركة مساحة صغيرة في أعلى اللوحة تبرز خلفيتها التي تتراءى لنا منها أعمدة المقهى الملونة. تجعلنا نشعر هذه النوعية في تأطير المشهد، وكاننا نلج هذا الفضاء الحميمي لهذه الشخصيات الثلاث إلى حدّ الإحساس بالانضمام إلى جلستهم. ولعل هذا ما كان يشعر به الزبير التركي إزاء هذه الشخوص التي يعتبرها جزءا منه.
يلتصق الزبير التركي بمحيطه الحضري وبمدينته التقليدية فيتفاعل مع تفاصيلها كما يتفاعل مع تفاصيل وجوه الشخصيات الحميمة التي يعيش معها، فيعبر عنها من خلال مقاربة تشكيلية ركّزت على الرسم الخطي Dessin، ميزت الفنان وسجّلت له مساهمة كبرى في تاريخ مسيرة الفنون التشكيلية في تونس وفي الوطن العربي عامة. انه يبدا في مداعبة خطوطه لتصبح بعدها مجال بحث معمق ومراجعة دائمة لا يستحضر نتائجها مسبقا الى ان تستقل بذاتها لتصبح منتجة للمعنى. بالنسبة له الرسم الخطي يسبق اللون. وهو اساس التعبير الذي يصبح متجاوزا للمرئي وللمواضيع الشعبية التي يتطرق اليها. يقول:"لم يكن الأمر يتعلق بالفولكلور. كان الفولكلور مجرد مادة وخامة وذريعة. لم يكن هذا هو الموضوع. ..."
زرت الفقيد في بيته برادس في مناسبتين عام 2007، وكان يتجول بي في اروقة المتحف الذي شيّده قرب بيته ليستقبل اعماله كاملة. كان دارسا لكل تفاصيل هذا المتحف ولكل زواياه واركانه. وكانت امنيته ان يصبح هذا المتحف حافضا لذاكرته، معرّفا بمسيرته وانجازاته الفنية، الا أن الايام حالت دون ذلك.
سامي بن عامر