
-
القائمة
جريدة الشروق 23 فيفري 2023
من جماعة مدرسة تونس
الهادي التركي
1922- 15 مارس 2019
الهادي التركي هو من أحد روّاد الحركة التشكيلية التونسية المنتمين الى مدرسة تونس، وقدّم خلال أكثر من ستة عقود أثرا فنيا هاما، عُرف بخصوصيته وتميُّزه.
ولد بتونس العاصمة. وكان تكوينُه الأوّلي في مجال الرسم، تشخيصيا أكاديميا. فرسم الطبيعة الصامتة والوجوه. وأول معرض قدّمه كان في عام 1942 . وقضّى خلال 1959 تربّصا بالولايات المتحدة الأمريكية وسافر أيضا إلى ايطاليا وسويسرا. درّس بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس بداية من سنة 1963 إلى 1990. وفي بداية الثمانينات ترأّس الاتحاد الفنانين التشكيليين بعد ان تمّ حل الاتحاد القومي للفنون التشكيلية والغرافية. كما كان عضوا في الاتحاد العربي للفنون التشكيلية وفي الهيئة التنفيذية للجمعية العالمية للفنون التشكيلية التابعة لليونسكو.
وإن استوحى الزّبير التركي شخوصه ومواضيعه من مناخه الاجتماعي والتّراثي، مثل عديد الفنانين المنتمين الى مدرسة تونس، فإن أخاه الهادي التّركي، مثله مثل ادغار نقاش (1917ـ2005) وحسن الصوفي، وجميعهم منتمين لهذه الجماعة، قد اهتموا بمقاربات حديثة تجريدية. وقد استلهم الهادي التركي هذا التوجه من سفراته في الغرب، اذ تراوحت اعمالُه الفنية في مرحلة ثانية، بين التجريدية ذات الأشكال النقية والتجريدية التعبيرية. أما في المرحلة الأخيرة، فقد ركّز على رسوم تجريدية، تُبرز نسيجا من خطوط عمودية تتقاطع مع أخرى أفقية، موزّعَة فوق خلفية متكوِّنة من مساحات لونية مختلفة، تفضي إلى تأثيرات بصرية تحدّد طريقة إدراكنا لهذه الرسوم.
والجدير بالملاحظة، أن الهادي التركي لم يتوقّف عن ممارسة الرسم الخطي Dessin طوال مسيرته الفنية. فرسم عديد الوجوه لمختلف الاعمار باسلوب تصويري اتصف بتلقائيته وبخطوطه ذات الذبذبات البصرية.
لوحته "انعكاس"،( 1980. زيت على قماش. ) هي من ضمن سلسلة أعماله التجريدية التي اهتم فيها بتقاطع الخطوط الأفقية والعمودية. وقد أكد الهادي التركي في عديد المناسبات أن هذه الخطوط المتقاطعة التي يواصل اعتمادها في رسومه، ناجمة عن احد الصور التي بقيت عالقة في ذاكرته بطريقة لا شعورية، وهي تحيله إلى مِنسج جدِّه والى تقاطعات خيوط هذا المنسج الملونة والشفافة التي طالما تأملها حينما كان طفلا.
يستلهم الهادي التركي سلسلة اعماله هذه من الفن الحركي. فما يحدث عندما نُركّز بصرنا على هذه اللوحة وعلى مثيلاتها، هو الإحساس بالذبذبات البصرية وبتفاعل الوانها فيما بينها. تفاعل يحيلنا إلى مزج بصري يصبح منطلقا لتأثيرات لونية افتراضية تأخذ مصدرَها من العين ذاتِها ولا من اللوحة. مبعث هذا المزج هو خِدعة بصرية ناجمة عن طبيعة شبكية العين التي تصبح غير قادرة على التفريق بين خطوط جدُّ متجاورةٍ. وهو ما يجعله أساسَ تعبير اللوحة وموطنَ أبعادها الفنية. وقد أحسن الفنان الهادي التركي استعمال هذا المزج في رسومه هذه الشبيهة بسنفونيات موسيقية.
في سنة 2004 صادف ان نزلنا معا الى توزر لحضور فعاليات مهرجانها الدولي للواحات السّنوي. وكنا كلما توقفنا في طريقنا في احد القرى أوالمدن ، يهرع العديد من الناس بغية التحدث مع "عم الهادي التركي"، الذي اكتشفوا طيبته ودماثة اخلاقه وتواضعه في برنامج الكاميرا الخفية الذي تمّ بثه على القناة التلفزية الوطنية في تلك الفترة وشدّ انتباه الجميع.
أصيب الهادي التركي في آخر حياته بمرض ألزمه الفراش ومنعه من ممارسة الرسم خلال اكثر من عقد.
سامي بن عامر