-
القائمة
جريدة الشروق 10 نوفمبر 2022
الرسم المسندي في تونس...
في البداية كان الاستشراق
اهتمّ الفنّان الغربي منذ فترة طويلة بما يختزنه الشّرق من أبعاد روحية عمل على توظيفها. وقد بدأ هذا الاهتمام خصوصًا خلال القرن التّاسع عشر، وتطوّر خلال القرن العشرين. فظهر الاستشراق مع الفنّانين الغربيين الّذين زاروا دُول المغرب والمشرق العربي. ولقد ركزوا على الأبعاد الغرائبيّة والسياحيّة الّتي انطبعوا بها خلال زياراتهم، أو الّتي تعرّفوها عبر أعمال من زاروا تلك البلدان.
وفي تونس وجد الرسامون المستشرقون الفضاء المناسب في الصالون التونسي الذي تم افتتاحه سنة 1894، لفرض حضورهم رسميا على الساحة الثقافية، فأنتجوا ما سُمِّي بالفن الاستعماري الذي ارتبط جلّه بأيديولوجيا المستعمر، وتأسّس على قيم تقليدية تعتمد على الواقعيّة Réalisme التوثيقيّة والاستشراقية، تُغذّيها الرّغبة في تعرّف الأشياء المجلوبة والغريبة.
وكتب المؤرخ لوران هوسايس حول أهداف معارض الصّالون التونسي": "كان الهدف ..."أن تُقدَّم المساهمة في تنمية الاستشراق، وأن يُبعث، وليس دون خلفية فكرية سياحية، فنٌّ من شأنه أن يُعرِّف أكثر بالحماية وأن يكون حافزًا على التّعلق بها».
وأوّل معرض للرسم المسندي كان للفنّان الشاب لويس شالون (1866-1940) بدعوة من معهد قرطاج، وقد كان مصحوبًا بمجموعة أخرى من الفنّانين. اما الصالون الثاني فقد فتح في 8 ماي 1895 في قصر كوهان، وشارك فيه لويس شالون ودياس وشارل لالمان (1857-1938) ونظم الصّالون الثالث سنة 1896 في فضاء خاص للكونت لندون لونجيفيل (1930-1844) وهو عضو بمعهد قرطاج، وشمل مشاركات عديدة من الفنّانين. وفي سنة 1897، فُتح الصّالون الرّابع الّذي شاركت فيه مجموعة هامة من المستشرقين من بينهم إيتيان دينيه (1861-1929) ...
كتب أوغست بافي الكاتب العام لمعهد قرطاج بمناسبة افتتاح الصالون الخامس الذي انعقد في سنة 1898 مُعبّرًا عن طموحه وعزيمته في جعل الصّالون التّونسي موعدًا إجباريًّا للفنّانين المستشرقين:
«هل عليّ أن أبوح (....) بأفكاري الأكثر سرية وأن أقول لكم آخر كلمة لطموحاتنا؟ هو أن نجعل تونس وببطء، المركز الحقيقي للفنّ الاستشراقي وأن نحوِّل بطريقة متدرِّجة الصّالون التونسي ليصبح موعدًا إجباريًّا لكل الغيورين على الاستشراق في المجال الفني».
إن الصّورة الشّكلانيّة الّتي نحتها الرسّام المستشرق وضمّنها تخيّلاته للشّرق قد أصبحت منتشرة ومتناولة في الكتب ومتناقلة لدى جموع الناس، وهو ما جعل منها مصدرًا أساسيًّا في تحديد صورة الشّرق عند عامة النّاس في الغرب. وما بحث عنه الرسّامُ هو الاستشراقُ لا الشرقُ، بل النّظرة الّتي أراد أن يسقطها عليه. فطغى عمومًا على تمثّلات المستشرقين للمرأة الشّرقيّة الطّابع الغوائيّ والإيروسيّ. إذ يصبح جسد المرأة عمومًا في أعمالهم، جسدًا حيوانيًّا يخضع إلى ما تفرضه الغريزة وعالمًا للذّة يحلُمون به.
ولقد قدّم إدوارد سعيد (1935-2003) في كتابه "الاستشراق" نقدًا للطريقة الّتي تعامل بها الغرب مع الشّرق، وبيّن كيف أن الاستشراق هو معرفة تتحوّل في يد السّلطة السّياسيّة إلى هيمنة. كما وضّح أن الشرق لا يُنظر إليه في واقعه الحميم، بل من منظور غربيّ مُسقَط وهو ما يتسبّب في حصول الخلط والتحريف.
من المستشرقين الذين أقاموا في تونس ودُفنوا بها، الروسي ألكسندر روبتسوف (1884 - 1949) الذي قضى معظم حياته في تونس واستطاع جلب احترام الجمهور، والفوتوغرافي النمساوي المجري رودولف لينرت (1878-1948) الذي عُرف بصوره الشّبقية لأطفال إناث وذكورٍ في حالة عراء جُزئية أو كاملة.
سامي بن عامر