
-
menu
جريدة الشروق 02 مارس 2023
رُوّاد من خارج جماعة مدرسة تونس
لم يكن كل الفنّانين التّونسيين من جيل الرواد منضوين إلى جماعة مدرسة تونس. ومن بين هؤلاء علي بن سالم (1910 ـ 2001) وحاتم المكي (1918ـ2003) وعمارة دبش (1918ـ1977) والهادي السّلمي (1934 -1995)... وهؤلاء هم من أهم الفنانين الروّاد الذين أَثْرَوا مسيرة الفنون التشكيلية. ولا يمكن فهم عدم انضوائهم الى هذه الجماعة بسبب خيارات اسطيتيقية فرضتها هذه الاخيرة، فقد سبق ان بينا ان اعضاء مدرسة تونس مثلهم مثل اعضاء مدرسة باريس الذين اقتادوا بهم، كانوا مختلفين فيما بينهم في توجهاتهم الفنية والاسطيتيقية. فلقد ضمت جماعة مدرسة تونس فنانين تشخيصيين وتجريديين. وما كان يربط بين افرادها، هي علاقات الصداقة والمودة التي سمحت لهم الانتظام داخل هيكل ساعدهم على التعريف باعمالهم الفنية وعلى فتح آفاق رحبة لتسويقها. ولقد اكّد لي ذلك الفنان الزبير التركي في حوار صوتي مُسجّل أجريته معه في منزله سنة 2007 تم بثه في برنامج "حدث اللون قال" الذي كنت أعدّه في تلك الفترة في اذاعة تونس الثقافية.
ليس من الغريب إذا انطلاقا من هذه الخيارات ان تصبح جماعة مدرسة تونس مقتصرة على فنانين دون غيرهم.
ووفق شهادات من عايشوا هذه المرحلة، كثيرا ما ينشب جدل بين بعض رواد جماعة مدرسة تونس وبعض من هؤلاء الفنانين الرواد الذين امتنعوا عن الالتحاق بهم او لم تتم دعوتهم للانضمام اليهم.
وجب ان نشير الى أن انطلاقة علي بن سالم وحاتم المكي والهادي السّلمي كانت جد موفّقة، فثلاثتهم سافروا الى الغرب واقاموا فيه ونظّموا معارض هناك وتحصّلوا على جوائز مما فتح لهم باب الشهرة خارج الوطن. كان حاتم المكي قريبًا من التّجارب الفنّية العالمية المتجدِّدة في عصره، حيث استفاد من سفره إلى أوروبا فقدّم تجربة فنية متنوعة وثريّة. وكان متحرِّرًا من هاجس الهُوية الوطنية التي التزم بها عديد الرسّامين التونسيين من أعضاء مدرسة تونس.
واشتغل علي بن سالم على عوالم حلُمية خيالية باعتماد تكوينات يوزِّع فيها أشكاله بطريقة متساوية على مساحة اللّوحة. نشاهد فيها أشكالًا حيوانية، غزالًا وحمامًا وأشكالًا نباتية خيالية وشخوصا.
اما الهادي السّلمي فقد برز في مجال النّحت من خلال تجاربه الرائدة حيث كان أول نحّات تونسي. وقد استطاع أن يفرض تجربته الفنية في مجتمع لم يكن للنحت مكان فيه.
وان استطاع حاتم المكي وعلي بن سالم والهادي السّلمي فَرْض حضورهم على الساحة الفنية التونسية والدولية، فان عمارة دبش رغم كفاءته الفنية بقي الحاضر الغائب. فلقد كانت مسيرته غامضة وملتبسة. اذ ليس لنا دراية واسعة الى حد الآن بتفاصيل مسيرته الفنية، بقطع النظر عن بعضها، منها اقامته في فرنسا في مرحلة اولى من حياته ومعرضه الاستعادي الذي نظمه في شهر فيفري 1967 في الرواق البلدي للفنون بالعاصمة والذي ضم اكثر من مائتي عمل وعودته بعد هذا المعرض الى فرنسا ليستقر فيها بعد ان وجد صعوبات جمّة في التأّقلم مع الواقع الفني في تونس، الذي لم يعره اهتماما يذكر. يتبع...