
-
menu
عندما
تستمع إلى الفنان سامي بن عامر يتحدث بشوق المتصوفة عن بحثه عن الأرض التي أرادها أن
تتجلى بتوهج، يخيل إليك أنها احتضنته ودارت به دورانا تصاعديا نحو مطلق وجد نفسه
فيه صحبة ملائكة جعلها الخالق مبدأ خلقه. وقديما قال أخوان الصفاء "في طبائع
العقلاء اشتياق إلى أحوال الملائكة والتشبه بهم". اشتاق سامي إلى مقام هذه
الملائكة المسكونة بالروح الإلاهي والتي رغم أنها كذلك فقد رفضت حمل أمانة الخلق فحمل
وزرها الإنسان محاكيا للقوة الطبيعية تشبها بها وتشبها بخالقها.
لقد أراد سامي أن يسمُوَ ويسمُو بهذه الأرض، اقرب الكائنات إلى "الطبيعة" التي طبعتها، شأنه شأن كل الفنانين الباحثين عن المعرفة عبر الإبداع والإبداء. فكان مُبدءا ومبدعا لعالم أو لنقل لعوالم صغيرة، فضاءاتٌ تحركت والتمعت بفضل الفكر/ العقل المخترق لها والمنغمس فيها، هذا الفكر الذي حمل الشكل وهذا الشكل الذي تخصب بالمادة/ اللون، فكان نسيجا مشبوكا أوقع المادة الممتدة في شراكه. تشكلت المادة لتكون رامزة دالة لا فقط للأرض وما عليها من موجودات عضوية ولمورفولوجيتها، بل أيضا لرمزيتها الشكلية التي تفعلت تشكيليا وتوهجت بتوهج نحو أبصارنا لتلتذ بها وتطرب. ونسينا توهج الأرض وتجليها ودخلنا هذا الكون الصغير الذي جعله الفنان أكوانا تتعدد فيه العناصر وتتنوع كما تنوعت كائنات الأرض وتعددت...أكوان لا ندري عند الحديث عنها هل نبدأ بإعلان أشكالها الأساسية مربعة ومستطيلة ودائرية أم نسعى إلى تجاوز هذه الأشكال لندخل عبرها حديثا إلى لعب الأنسجة التي تدعونا بإلحاح إلى عدم الاكتفاء بتأملها بل إلى لمسها وتحسسها لإدراك حسيتها، أم إننا نتجاوز الأنسجة لندرك تآلفها وتآلف هيئتها في مدارها حول مراكز اهتمام تارة أو سيرها وفق نسق مفردي تارة أخرى.. هيئات أنسجة تنتظم ضمن سنفونية، تحرك مسارات وقعها نغمات موسيقية، مسارات تتقاطع أفقيا وعموديا في حركة صاعدة/ نازلة أو هي دائرة دوارة تسعى إلى معانقة أهلة.
لقد أراد سامي لأشكاله الناتئة/ الغائرة بلطف أن تمثل وحدات مفردية في هيئات كلية وأراد لكل مفردة أن تختص بما يميزها في هيئات فردية وكأنه أراد أن يجد تناغما بين الذاتي والموضوعي في إطار هذه المفردات التي كونت بذاتها شبكات عوض أن تنتظم فيها. وكان توليده لهذه الشبكات منتجا لنسيج يشبه في نسجه نسج الخطاط لحروفه على جدار، بحفره تارة ونقشه تارة أخرى فكان "رقشا".
كان رقشا في أرض غير الأرض التي نعرف، أرض يتأرجح فهمنا لها ويترجرج، أرض تخيلها سامي مستخلصا لخواصها ككيمياء عضوية تتظهر في فيزياء بصرية. كيمياء وفيزياء لا تنتهي إلي العلوم البيولوجية بل إلى أركيولوجياء ذاكرتية وهندسة فكرية صوفية اخترقها برسمه ورشمه ألوانا نورانية وأنوارا لونية. ألوان/ أنوار تشعرنا بالدفء تارة وبالحرارة تارة أخرى. ينتابنا هذا الشعور إثر تجوالنا صحبة سامي وسيرنا معه في ثنايا هذه الألوان/ الأنوار... ثنايا تناسب في مسار الطيف القزحي إذ ننتقل معه من الأزرق إلى الزرقة ونتحول في بهاء نحو الأخضر المخضر حتى الأصفر المحمر ومن ثمة نلج في رحم بركان ناري سرعان ما تخمد حممه ليصبح رمادا يتلألأ بياضا/ سوادا.
ولا نملك بعد مشاهدتنا لأكوان سامي الأرضية إلا أن نتساءل التساؤل الجميل: من تجلى في هذه الأكوان هل هي الأرض بما هي أرض وبما يحمله لفضها واقعا كان أو مجازا، أم أن سامي هو الذي سما وتسمى مختلفا ليكون سمة تتجلى عبر خروج ما في قوته إلى الفعل، بتخيله هذه الأرض مغايرة ومفارقة لوجوده، ناشدا أنشودة منشودها.
الحبيب بيدة
كاتلوق معرض جلال الارض 2007 رواق كاليستاي
)جريدة الشروق في 13 أكتوبر و 20 اكتوبر 2022)
المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر بتونس... تسلسل األزمات.
ال يزال يمثل المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر موضوع جدل يعكس مدى األزمة التي انحبس فيها منذ انطالقته الفعلية في 21 مارس 2018 ومنذ اإلعالن عن تأسيسه بمقتضى االمر الحكومي عدد 381 لسنة 2018 المؤرخ في 23 أفريل 2018 ،ليصبح مؤسسة عمومية ال تكتسي صبغة إدارية تتمتع بالشخصية المعنوية واالستقالل المالي. ولعل األزمة تسبق هذا التاريخ، فلجنة شراءات الدولة التي تم تكوينها منذ السبعينات والتي تهدف إلى تكوين رصيد المتحف للفنون التشكيلية لم ت فلح خالل عقود في تحقيق هذا الهدف. فآالف االعمال الفنية التي تم اقتناؤها قد أت لف كثيرها لسوء التصرف فيها وقلة االعتناء بصيانتها وتوثيقها. والحال أنها جزء من التراث التونسي الذي ال ي ق د ر بمال. ومن عالمات هذه األزمة التي عرفها المتحف مند انطالقته في مدينة الثقافة، تعدد إداراته في ضرف وجيز من الزمن. فقد انتهت االدارة االولى المؤ سسة له باستقالة مديرها العام بعد سنة من الشغل. اما االدارة الثانية فقد تم إقالة مديرتها العامة بعد أربع سنوات من تعيينها، إذ لم تتمكن خالل هذه المدة من تنظيم المعرض كلف مباشرة بتنظيم االفتتاحي المرتقب، وصوال إلى اإلدارة الثالثة التي تم تعيين مديرها العام منذ أشهر قليلة لي د م على أنه المعرض معرض بمناسبة ملتقى "تيكاد". معرض غطى الفترة الزمنية من 1850 الى 2020 وق األكبر في تاريخ الفنون التشكيلية. ة غياب التنسيق بين إدارة الفنون التشكيلية وإدارة المتحف الذي ع طل تحويل االعمال وما زاد في الطين بل من مخازن الرصيد الوطني بقصر السعيد الى مخازن المتحف بمدينة الثقافة. ولعل هذا المعرض األخير زاد في هذه األزمة المتعلقة بالمتحف، إذ افرز عديد المواقف المتضاربة: رأى البعض أنه ناجح واعتبروه استجابة لتحقيق االفتتاح الرسمي المرتقب للمتحف رغم أن منظميه لم ين صوا على صفته هذه. واستغرب وزير الشؤون الثقافية األسبق في تدوينة له لما يروجه البعض عن موضوع افتتاح المتحف والحال أن هذا االفتتاح قد تم منذ 2018. وعلق المدير العام األسبق الذي تابع تأسيس المتحف سنة 2018 ،أن المعرض االفتتاحي كان مشروعا اشتغلت عليه ادارته صحبة مجموعة من الفنانين، اال أنه لم يتحقق بعد. وما أنجز هو المعرض ما قبل االفتتاحي "نحتي ومنحوت" الذي تم تنظيمه في 21 مارس 2018 بمناسبة افتتاح مدينة الثقافة. وذ كر بان المعرض االفتتاحي حدث كبير ذا ابعاد وطنية وعربية وعالمية ال بد من الوقوف عندها وليس هكذا معرض مناسبتي. وعبر البعض عن استغرابهم لهذا المعرض الذي بات غامضا إذ لم يفصح بصفة جلية عن طبيعته وتساءلوا إن كان معرضا عاديا أم افتتاحا رسميا للمتحف؟ وأجهر آخرون عن ضعفه، اذ بات معرضا دون مفهوم يحد ده ويربط بين أعماله، وعبروا عن ضعف النص المقدم له الذي اتى تحت عنوان مستفز: "هذا هو المعرض". 2 استغلت بعض اآلراء األخرى المناسبة لتؤكد على أن هذا المتحف هو في النهاية ليس متحفا. فهو كما ورد في المثال المعماري لمدينة الثقافة يتمثل فقط إال في قاعات عروض ثالث غير كافية لتغطية أنشطة المتحف، تجاورها خمسة مخازن مخصصة لحفظ الرصيد الوطني للفنون التشكيلية ليست تابعة له. ولعل مثل هذا الطرح ظ ي ش رع ما دأب عليه المتحف بداية من سبتمبر 2018 من تقديم لمعارض مناسبتية آخرها المعرض الذي ن م بمناسبة تظاهرة "تيكاد". ويرى آخرون في هذا السياق أن المتحف ال يمتلك قانونيا بنايته التي هي جزء ال يتجزأ من مدينة الثقافة. مما يجعله عديم االستقاللية بل مشروعا هالميا. وإن قبلنا بهذه الفرضية، فيعني ذلك أن كل المؤسسات الثقافية في المدينة الثقافية هي أيضا هالمية: االوبرا ومركز العرائس والمعهد الوطني للترجمة وغيرها. والمعلوم ان االمر الحكومي الذي سبق ذكره والذي يضبط مشموالت المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر لم ينص على تحديد موقعه الجغرافي واكتفى فقط باإلشارة الى مدينة تونس كعنوان له. ونفس الشيء بالنسبة لمسرح االوبيرا ومركز العرائس. إن تعدد القراءات واختالف اآلراء حول المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، يؤكد على هذه االزمة التي يعيشها. ونقدم بطريقة موجزة بعض المقترحات التي نراها مناسبة لتخطي هذه االزمة: لضمان حسن سير المتحف وجب تعيين مختصين في المجال على رأسه، تكون لهم خبرة في التسيير اإلداري ومعرفة بتاريخ الفن واشكالياته. لتوفير مساحات أكبر للمتحف، نقترح الحاق المخازن رسميا بهذه المؤسسة على ان ن بقي على المخزنين الكبيرين القادرين على استقبال 5000 عمل فني - بمعدل متر مربع للعمل الواحد - لوظيفة خزنها وتوظيف المخازن الثالث المتبقية للمعارض والورشات. وفي المقابل الشروع في بناء مقر مناسب في ضواحي العاصمة يستقبل الرصيد الوطني للفنون التشكيلية المتزايد من سنة الى أخرى. اما اإلشكاليات العقارية لمباني المؤسسات المتواجدة في مدينة الثقافة ومن بينها المتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر، فإننا ال نرى أن هذه الوضعية تمثل عائقا حتميا، مادامت هذه المباني تعود إلى الدولة وهي قادرة على تفويتها لهذه المؤسسات لتسوية وضعياتها العقارية. وفيما يتعلق بعالقة المتحف بالرصيد الوطني للفنون التشكيلية التي أحدث عديد المشاكل بين إدارة المتحف وإدارة قسم الفنون التشكيلية، فهي ت نظم وفق الباب الخامس لقانونه االساسي الذي ينص عليه االمر عدد 381 وتحديدا في الفصل 27 ،حيث نفهم ان مجموعات المتحف تتكون مما تسنده الدولة له من اعمال فنية تتصرف فيها والتي ترى إدارة المتحف أنها ضرورية ألداء مهامه، حيث يتم ضبطها بمقتضى اتفاقية تبرم للغرض بين المتحف والوزارة المكلفة بأمالك الدولة والشؤون العقارية. كما تتكون أيضا من الهبات ومقتنيات المتحف وغيرها من القنوات األخرى. ما نأمله هو تجاوز هذا التذبذب في الرؤيا الذي تراكم خالل الخمس سنوات األخيرة حول ماهية المدينة الثقافية من جهة والمؤسسات التي تستقبلها من جهة أخرى، وتصور نظام قانوني واضح يضمن االستقاللية العقارية واالدارية للمؤسسات المتواجدة في مدينة الثقافة من جهة، ومن جهة أخرى وحدة هذه األخيرة التي من شانها ان تضمن لزائريها تنوع المنتوج الثقافي. وهي مسالة في غاية اإليجابية. والخطر هو أنه ال يزال البعض يسعى أن يستخدم مدينة الثقافة كوحدة غير مجزئة، لتصبح المؤسسات التي تعمل ضمنها فرعية وليست إدارات 3 مستقلة، وهذا ما سيضعف حضورها على الساحة الوطنية والدولية. صحيح أن ما كنا نتمناه هو مؤسسة متحفية تسع لقاعات أكثر للعرض ولخزن االعمال... اال ان التفريط فيما هو موجود و متاح وقابل لإلصالح قد يجرنا الى نقطة الصفر. علما وان األرض المجاورة جنوبا لمدينة الثقافة لحقت برآسة الحكومة. وهو خب والتي كان من المفروض ان تستقبل متحف الحضارات، قد تكون أ ر شاع في بداية عام 2018 .ونتمنى ان ال يكون صحيحا. فتحت الوزارة أخيرا تقديم الترشحات لوظيفة اإلدارة العامة للمتحف الوطني للفن الحديث والمعاصر وحددت آخر اجل لها في 9 سبتمبر 2022 .ما ينتظره المدير العام القادم للمتحف، ليس هينا. نأمل ان يكون كفاءة من أهل االختصاص. كل التوفيق له.
سامي بن عامر
جريدة الشروق 09 مارس 2023
رواد من خارج جماعة مدرسة تونس
علي بن سالم
2001 -1910
يعتبر علي بن سالم من اهم الفنانين الرواد في تونس. وكان من التالميذ االوائل الذين درسوا بمدرسة الفنون الجميلة بتونس وتتلمذوا على يدي فارجو الذي تقلد ادارة هذه المدرسة ظم أول معرض له في سنة 1934 بتونس العاصمة. وله عديد النصوص النقدية سنة 1930 .ن واألدبية. اهتم بالحرف التقليدية وتحصل وهو في السادس والعشرين من عمره على جائزة الرسم من الحكومة التونسية ومن حكومة افريقيا الشمالية التي اعتبرته ر ساما متخصصا في المنمنمات. وقد م كنه هذا من ال سفر الى فرنسا ثم السويد.
في عام 1944 وبعد عودته االولى الى تونس، أ سس مدرسة الفنون الجميلة بصفاقس، وكان مدي ًرا لها، غير انه تم قصفها اثناء الحرب العالمية الثانية. وعاد الى السويد من جديد، حيث بقي فيها اكثر من عشرين سنة. وكان يلتقي في بيته المتواجد في العاصمة السويدية الفنانون والسياسيون التونسيون. وفي عام 1970 ق رر العودة النهائية الى ارض الوطن ليعيش في مدينة الحمامات. هو رسام اوال، إال أنه أنجز عديد االعمال في مجال الفسيفساء والسجاد والطالء على البلور.
نشاهد في عمله "الحن اء"، اكورال على ورق وهو من مقتنيات الدولة التونسية، مجموعة من الشخوص النسائية المسطحة اشكالها. األولى يرسمها في متوسط النصف السفلي للوحة. اما بقية فقد وضعت في اتجاه مائل في نصفها العلوي، بدءا من الشمال وصعودا الى يمين وأعلى الشخوص اللوحة في نسق أحدث تد رجا من الكبير الى الصغير. ونشاهد في خلفية اللوحة أشكاال حيوانية، غزاال وحماما وأشكاال نباتية خيالية. وعلى كامل مساحات اللوحة يوزع أشكاله الزهرية المتساوية أحجامها بأسلوب جد مختزل م ما يمكنه من التاكيد على الطابع التسطيحي للوحة.
لقد استلهم علي بن سالم اسلوبه من المنمنمات الفارسية. وهو ما نتبينه في هذه الشخوص والعيون ال تمد دة م األنثوية المرسومة بكل حذق واتقان وذات الخطوط النقية والوجوه البيضاوية الشكل التي تتميز بنظراتها البعيدة. ي برز شعرها ونعومة يديها وصدورها كما ي ؤكد على ثراء ثيابها ليحيلنا الى فضاء حلمي وخيالي. كما يستلهم طابعه التسطيحي الشكاله المستقلة عن التمثيل الكالسيكي الثالثي االبعاد، من تجارب ماتيس التي أنجزها في النصف االول من القرن العشرين.
تتميز لوحاته عموما بعدم واقعية ألوانها وبأشكالها الرمزية ذات الخطوط المتعرجة والمتواصلة اللينة والمتكررة، طيور واشجار وازهار وحيوانات وشخوص والكل في فضاء يغمره الضوء. كما تتميز بأبعادها الزمنية الالمحدودة. انه عالم خيالي وال نهائي وسرمدي، مما يحيلنا إلى استقاللية لوحته عن المرئي.
فضاءات علي بن سالم ساحرية بخطوطها المتعرجة وبأشكالها التي تحملنا الى عوالم ال نعرفها.
منذ وفاته في عام 2001 وتكريما له ، تم تنظيم عديد المعارض والمهرجانات ومختلف ، أصدر البريد التونسي طابعً الفعاليات الثقافية لدراسة اثره الفني. وفي عام 2010 ا بريديًا يحمل صورته. و كتبت عنه عديد المؤلفات من بينها الكتاب الصادر عام 2011 عن المجمع التونسي للعلوم واألداب والفنون "بيت الحكمة" بمناسبة مرور الذكرى العاشرة لوفاته بعنوان" ,Salem Ben Aly" ."vivre de passion , œil'l de émotion" علي بن سالم ، عاطفة العين ، شغف بالعيش " جمع ظ نصوصا أعد ت في اطار ندوة علمية ن مت في الغرض.
سامي بن عامر
جريدة الشروق 02 مارس2023
ر واد من خارج جماعة مدرسة تونس
لم يكن كل الفنّانين الت من جيل الرواد منضوين إلى جماعة مدرسة تونس. ومن بين هؤالء علي بن ّونسيين سالم )1910 ـ 2001 )وحاتم المكي )1918ـ2003 )وعمارة دبش )1918ـ1977 )والهادي ال ّسلمي )1934 -1995 ...)وهؤالء هم من أهم الفنانين الرّواد ر الذين أ وا مسيرة الفنون التشكيلية. ْ ث وال يمكن فهم عدم انضوائهم الى هذه الجماعة بسبب خيارات اسطيتيقية فرضتها هذه االخيرة، فقد سبق ان بينا ان اعضاء مدرسة تونس مثلهممثل اعضاء مدرسة باريس الذين اقتادوا بهم، كانوا مختلفين فيما بينهم في توجهاتهم الفنية واالسطيتيقية. فلقد ضمت جماعة مدرسة تونس فنانين تشخيصيين وتجريديين. وما كان يربط بين افرادها، هي عالقات الصداقة والمودة التي سمحت لهم االنتظام داخل هيكل ساعدهم على التعريف باعمالهم الفنية وعلى فتح آفاق رحبة لتسويقها. ولقد ا ّكد لي ذلك الفنان الزبير التركي في حوار صوتي مس ّجل أجريته معه في منزله سنة 2007 تم بثه في برنامج "حدث اللون قال" الذي كنت أعدّه في تلك الفترة في اذاعة تونس الثقافية. ليس من الغريب إذا انطالقا من هذه الخيارات ان تصبح جماعة مدرسة تونس مقتصرة على فنانين دون غيرهم.
ووفق شهادات من عايشوا هذه المرحلة، كثيرا ما ينشب جدل بين بعض رواد جماعة مدرسة تونس وبعض من هؤالء الفنانين الرواد الذين امتنعوا عن االلتحاق بهم او لم تتم دعوتهم لالنضمام اليهم. قة، فثالثتهم سافروا وجب ان نشير الى أن انطالقة علي بن سالم وحاتم المكي والهادي السّلمي كانت جد موفّ ّظ الى الغرب واقاموا فيه ون موا معارض هناك وتح ّصلوا على جوائز مما فتح لهم باب الشهرة خارج الوطن. كان حاتم المكي قريب ا من التّجارب الفنّية العالمية المتجِّدّدة في عصره، حيث استفاد من سفره إلى أوروبا فقدّم ِّ ر ا من هاجس ال عديد الر ّسامين التونسيين ه تجربة فنية متنوعة وثريّة. وكان متح ّر وية الوطنية التي التزم بها من أعضاء مدرسة تونس. ّزع فيها أشكاله بطريقة متساوية على مية خيالية باعتماد تكوينات يو ِّ واشتغل علي بن سالم على عوالم حل ّوحة. نشاهد مساحة الل فيها أشكا ال حيوانية، غزا ال وحما ما وأشكا ال نباتية خيالية وشخوصا. اما الهادي ال ّسلمي فقد برز في مجال النّحت من خالل تجاربه الرائدة حيث كان أول ن ّحات تونسي. وقد استطاع أن يفرض تجربته الفنية في مجتمع لم يكن للنحت مكان فيه. ْرض حضورهم على الساحة الفنية التونسية وان استطاع حاتم المكي وعلي بن سالم والهادي ال ّسلمي ف والدولية، فان عمارة دبش رغم كفاءته الفنية بقي الحاضر الغائب. فلقد كانت مسيرته غامضة وملتبسة. اذ ليس لنا دراية واسعة الى حد اآلن بتفاصيل مسيرته الفنية، بقطع النظر عن بعضها، منها اقامته في فرنسا في مرحلة اولى من حياته ومعرضه االستعادي الذي نظمه في شهر فيفري 1967 في الرواق البلدي للفنون بالعاصمة والذي ضم اكثر من مائتي عمل وعودته بعد هذا المعرض الى فرنسا ليستقر فيها بعد ان وجد صعوبات جّمة ّ في قلم مع الواقع الفني في تونس التأ ، الذي لم يعره اهتماما يذكر. يتبع...
جريدة الشروق 16 فيفري 2023
الزبير التركي
من جماعة مدرسة تونس
)2009 أكتوبر 23 - 1924(
ولد الزبير التركي سنة 1924 وزاول تعلمه بجامع الزيتونة. وتلقّى خالل فترة قصيرة تعلما بمدرسة الفنون الجميلة بتونس ثم غادرها ليلتحق بمعهد الدراسات العليا حيث تلقى فيها تكوينا أدبيا إلى حدود 1946. ر س الفنون طيلة سنتين في مدرسة الفنون الجميلة بستوكهولم. وعاش فيها طيلة ست سنوات. وعاد د الى تونس عام 1958 ليلتحق بمدرسة تونس. وقد ساهم في تأسيس االتحاد القومي للفنون التشكيلية والغرافية الذي ترأسه طيلة سنوات، مثلما ساهم في تاسيس االتحاد المغاربي للفنون التشكيلية...
يعتبر الزبير التركي من اهم افراد جماعة مدرسة تونس. وقد كسب شهرة كبيرة في تونس اللتصاق مواضيع رسومه بالحياة اليومية التونسية ولقدرته الفائقة على رسم تعابير وجوه شخوص يستدعيهم من الذاكرة )الفلكلور(، او شخوص حية يعاشرهم في حياته اليومية. وما زاد في شهرته، اعتماد رسومه في الكتب المدرسية والطوابع البريدية ونشرها في الجرائد اليومية.
تحيلنا لوحته بعنوان "العبو الورق" )غواش على ورق- 65 على 85 سم - 1975 )إلى مشهد داخلي ألحد المقاهي بالمدينة العتيقة يجمع ثالثة شخوص حول رقعة صغيرة خ ّصت للعب الورق. وما يثير االنتباه، تركيز الزبير التركي على مالمح هذه الشخوص بطريقة تجعلنا متأكدين أنها ليست من ضرب الخيال بل في ذكر أسماء الشخصيات التي رسمها، مركزا حقيقة. فالزبير التركي عندما يتحدث عن لوحاته ال يتردد دائماً على طباعها وقسمات وجوهها ومالبسها وطريقة جلوسها. و في المقابل يرى أيضا أنها من محض خياله وحلمه. ترتدي الشخصيات الثالث ثيابا تقليدية تونسية كالشاشية والبرنس والفرملة، مما يحيلنا الى إطارها الثقافي والتاريخي وتتوزع على كامل مساحة اللوحة، تاركة مساحة صغيرة في أعلى اللوحة تبرز خلفيتها التي تتراءى لنا منها أعمدة المقهى الملونة. تجعلنا نشعر هذه النوعية في تأطير المشهد، وكاننا نلج هذا الفضاء الحميمي لهذه الشخصيات الثالث إلى حدّ اإلحساس باالنضمام إلى جلستهم. ولعل هذا ما كان يشعر به الزبير التركي إزاء هذه الشخوص التي يعتبرها جزءا منه.
يلتصق الزبير التركي بمحيطه الحضري وبمدينته التقليدية فيتفاعل مع تفاصيلها كما يتفاعل مع تفاصيل وجوه الشخصيات الحميمة التي يعيش معها، فيعبر عنها من خالل مقاربة تشكيلية ر ّكزت على الرسم الخطي Dessin ،ميزت الفنان وس ّجلت له مساهمة كبرى في تاريخ مسيرة الفنون التشكيلية في تونس وفي الوطن العربي عامة. انه يبدا في مداعبة خطوطه لتصبح بعدها مجال بحث معمق ومراجعة دائمة ال يستحضر نتائجها مسبقا الى ان تستقل بذاتها لتصبح منتجة للمعنى. بالنسبة له الرسم الخطي يسبق اللون. وهو اساس التعبير الذي يصبح متجاوزا للمرئي وللمواضيع الشعبية التي يتطرق اليها. يقول:"لم يكن األمر يتعلق بالفولكلور. كان الفولكلور مجرد مادة وخامة وذريعة. لم يكن هذا هو الموضوع. ..."
زرت الفقيد في بيته برادس في مناسبتين عام 2007 ،وكان يتجول بي في اروقة المتحف الذي شيّده قرب بيته ليستقبل اعماله كاملة. كان دارسا لكل تفاصيل هذا المتحف ولكل زواياه واركانه. وكانت امنيته ان يصبح هذا المتحف حافضا لذاكرته، معّرفا بمسيرته وانجازاته الفنية، اال أن االيام حالت دون ذلك.
سامي بن عامر
جريدة الشروق 03 نوفمبر 2022
رحيل الفنان بيار سوالج 1919-2022
"إني أبحث ع ّما أجده وأنا أرسم"
خبر حزين انتشر يوم األربعاء 25 أكتوبر 2022 ،تفاعل معه الفنانون في مختلف البلدان، معلنا عن وفاة الفنان الفرنسي الكبير بيار سوالج في مدينة نيم الفرنسية في سن تناهز 102 سنة. تجربة ثرية وطويلة تجعل من الفنان الفقيد، م تكريمه أمس األربعاء 2 نوفمبر، في البهو المربع شاهدا على مسيرة الفن الحديث في القرن العشرين وفاعال فيها. وقد ت بمتحف اللوفر بحضور الجمهور وبإشراف رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويال ماكرون. ولد بيار سوالج سنة 1919 .وهو ر سام وحفار فرنسي ينتمي منذ سنة 1940 إلى الفن الحركاتي gestuel Art و ج )أو "الطاشية" Tachisme )الذي يدخل ضمن ما س مي بالفن الالشكلي informel Art . وقد د في األسود مجاال قادرا على أن ي حيي األلوان. أعماله تحمل كلها عنوان: رسم Peinture وهي متنوعة بتنوع تاريخها. ت حيلنا لوحته بعنوان "رسم 1956( "194 – 9.129 سم، متحف غوقنهام - نيويورك( إلى مجموعة من اللمسات الكبيرة ال سوداء التي يم ررها بكل عفوية وح رية باستعمال فرشاة كبيرة. ونتبي ن من خالل بعض هذه اللمسات ال شفافة، خلفية ي ة داكنة. يرس م سوالج هذه اللمسات في وضعيات عمودية، إال أنه يقد مها ضمن طبقا ت ثال ث أفقية ومختلفة االرتفاع، ب ن يفصل بينها بخطوط أفقية سميكة، محدثا بذلك تباينا بين االتجاهين األفقي والعمودي، يساهم في الت عبير عن حركية اللوحة. يو زع سوالج لمساته هذه المتجاورة والمتداخلة والمتناضدة أحيانا على أرضية فاتحة رمادية، فيح دث ذبذبات بصرية وإيقاعات، يؤسس لها ت كرا ر هذه اللمسات وتباي ن الفاتح والداكن ونسي ج اللوحة الذي يستمد ه من أثر فرشاته العمالقة على مساحة الحامل. هو يسعى إلى خلق عالمات سحرية تتجاوز ترجمة الواقع، معتمدا في ذلك األسود الذي عب ر عن انجذابه له منذ را عن المطلق. كتب: "أعني بما بعد األسود، األسود الذي عندما يتوق ف عن طفولته والذي ي صبح متغي را في أعماله و معب الوجود ويصبح باثا للوضوح وللضوء ال سري." وإن ما يريد إحداثه من خالل حركاته التلقائية، هو التعبير عن ال ضخم وال شاسع والالمتناهي، والتي بها يربط جسده وما يتضمنه من أبعاد روحية وشحنات تعبيرية داخلية باللوحة. ولع ل هذا يمثل أساس الفن الحركاتي، حيث تصبح مساحة اللوحة انعكاسا ومواصلة لجسد الفنان ولتعابيره النابعة من ذاته الباطنية. إن سوالج، ينطلق من دافعه اإلبداعي ومن انفعاالته وشاعريته ليتحول الكل إلى العمل الفني عن طريق الحركة. وهو يؤكد لنا أن ال رسم يسبق الت فكير. وهو ما يحيلنا الى أسبقية الفعل إزاء الفكرة. الفعل الذي يصبح مصدر المعنى عندما يرتبط في عالقة جدلية وتلقائية بالخامة واألداة والحامل. ولقد سعى سوالج إلى تفعيل هذه القناعات متجاوزا بذلك فكرة كالسيكية تتمثل في تص ور العمل الفني قبل إنجازه. وقد عب ر عن هذه الفكرة الرسام الكالسيكي الجديد دومينين آنجر )1867-1780 )في مقولته:"يجب أن تكون لديك اللوحة في الرأس قبل إنجازها". يفتح سوالج لتجربته باب المغامرة لتضفي على أعماله الفنية طابعا ال متوقعا وخصوصيا. يقول: "إني أبحث ع ما أجده وأنا أرسم". مقولة تذكرنا بالجملة الشهيرة لبابلو بيكاسو: "إني ال أبحث بل أجد." وكل من هذين المقولتين تختزالن أهم المبادئ التي طبعت الفن الحديث خالل القرن العشرين وإلى ح د اليوم. إن كان الفن الكالسيكي والكالسيكي الجديد يمثالن فن المتوقع، فإن الفن الحديث اختار أن يكون فن الالمتوقع، حيث تصبح ال صدفة مصدر إلهام.
سامي بن عامر
إن كل معرفة بناء بالأساس. فمع مر السنين ما زلت اعتبر أن العمل الفني التقاء متجدد مع مادية نغير فيها كما تغير فينا بدورها، إيمانا بان كل بناء لا يمكن أن يتكوَّن خارج الضِّيق واختلال التوازن.
يسعى هذا المعرض إلى اختزال الزمن ليفصح عن مختلف محطات مسيرتي الفنية منذ انطلاقتها إلى اليوم، مما يمكننا من معاينة الوصل والفصل خلال مختلف حقباتها. من الصُّورة الضوئية المجمَّعة والتصويرية أو الكلاّج الضوئي (1987-1989) إلى الكلاّج التصويري (1990 – 1993) فالكلاّج المصطنع (1994) وصولا إلى رسومي الناتئة والمتضمِّنة لفضاءاتي الجنينية وتحت الأرضية والفيزيائية والمعدنية... (1995-2014)، أواصل اليوم الإبحار في عناصر الكون لمزيد الاستماع إلى سنفونيته، بالاعتماد على طاقة الحركة ولمعان الألوان و لا جسمية الفضاءات. أليس الكون كامنا فينا؟ أليست حركاتنا التي تحدث الطاقة وتهب الريح وتبث الحرارة، شاهدة على ذلك؟
من العضوي إلى غير العضوي، من الصلب إلى السائل، من المادي إلى اللامادي، من الطاقة المتراكمة وتحت الأرضية، إلى الحركة المتحررة والفضاءات الدينامية، من الداكن إلى المضيء، من المعتم إلى الشفاف، من المتراكم إلى الضبابي، من الانطوائية إلى الانفتاح على الخارج، من العالم الكبير إلى العالم المصغر، هكذا تندفع رسوماتي إلى خارجٍ مستقبلي وحركي نجد فيه الهواء والريح والشرايين والضوء، لتجعل منه عالما منبثقا يواصل سبر غموض الحياة، ليساير في الآن نفسه زمني الحاضر ويتفاعل مع المعيش.
تتغير أعمالنا الفنية على مر الزمان، تتعدد أشكالها وتتكامل، لتبني بذلك على طول الطريق أفكارنا، انطلاقا من حالاتنا الطارئة، ومن شكوكنا ... كل أعمالنا الفنية مختلفة، إلا أنها أساس واحدة.
شكري الجزيل لكل من صاحبني في ترحالي الفني، سواء بالكلمة الناقدة أو بأي تفاعل كان.
سامي بن عامر
Toute connaissance est essentiellement une construction. Après des années, je continue à considérer l'œuvre, comme une rencontre toujours renouvelée avec une matérialité que nous transformons et qui nous transforme à son tour, convaincu que toute construction ne peut se constituer en dehors de l'inconfort et du déséquilibre.
Cette exposition se veut être une synthèse du temps, tendant à révéler mon parcours artistique à travers ses différentes étapes, d’hier et d’aujourd’hui, afin de constater ses continuités et ses ruptures. Du photogramme, support et forme picturale ou collage optique (1987 –1989), aux collages peintures" (1990 – 1993), vers les collages simulés (1994), jusqu’à mes peintures reliefs incluant mes espaces fœtaux, souterrains, physiques, minéraux, célestes… (1995 – 2014) je continue dans mes œuvres d’aujourd’hui à naviguer dans le cosmos pour mieux écouter sa symphonie, en me fiant davantage à l’énergie du geste, à la luminosité de mes couleurs et à l’immatérialité de mes espaces. Le cosmos n’est il pas en nous? Nos gestes dégageant l’énergie, soufflant le vent et diffusant la chaleur, n’en sont-ils pas les témoins ?
De l’organique à l’inorganique, du solide au fluide, du matériel à l’immatériel, d’une énergie accumulée et souterraine aux gestes libérés et aux espaces dynamiques, du sombre au lumineux, de l’opaque au transparent, de l’accumulé au vaporeux, de l’introverti à l’extraverti, du macrocosme au microcosme, ma peinture s’ouvre aujourd’hui sur un extérieur futuriste et dynamique. On y trouve de l’air, du vent, des veines et de la lumière en faisant un monde émergent, s’attelant à sonder l’ambigüité de la vie, tout en s’accommodant à mon temps actuel et réagissant constamment au vécu.
Au fil du temps, nos œuvres se transforment, se multiplient et se complètent, pour construire chemin faisant nos réflexions, à partir de nos péripéties, de nos doutes... L’Œuvre désignant l’ensemble des ouvrages réalisés par l’artiste est pluriel, mais il est fondamentalement singulier.
Mes remerciements s’adressent à tous ceux qui m’ont accompagné dans mon périple artistique, soit à travers leur écriture critique ou toute autre forme de complicité.
Sami Ben Ameur