
-
menu
جريدة الشروق 03 نوفمبر 2022
رحيل الفنان بيار سولاج (1919- 2022)
"إني أبحث عمّا أجده وأنا أرسم"
خبر حزين انتشر يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2022، تفاعل معه الفنانون في مختلف البلدان، معلنا عن وفاة الفنان الفرنسي الكبير بيار سولاج في مدينة نيم الفرنسية في سن تناهز 102 سنة. تجربة ثرية وطويلة تجعل من الفنان الفقيد، شاهدا على مسيرة الفن الحديث في القرن العشرين وفاعلا فيها. وقد تمّ تكريمه أمس الأربعاء 2 نوفمبر، في البهو المربع بمتحف اللوفر بحضور الجمهور وبإشراف رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويال ماكرون.
ولد بيار سولاج سنة 1919. وهو رسّام وحفار فرنسي ينتمي منذ سنة 1940 إلى الفن الحركاتي Art gestuel (أو "الطاشية" Tachisme) الذي يدخل ضمن ما سُمّي بالفن اللاشكلي Art informel . وقد وَجَدَ في الأسود مجالا قادرا على أن يُحيي الألوان. أعماله تحمل كلها عنوان: رسم Peinture وهي متنوعة بتنوع تاريخها.
تُحيلنا لوحته بعنوان "رسم 1956" (194 – 129.9 سم، متحف غوقنهام - نيويورك) إلى مجموعة من اللّمسات الكبيرة السّوداء التي يمرّرها بكل عفوية وحرّية باستعمال فرشاة كبيرة. ونتبيّن من خلال بعض هذه اللّمسات الشّفافة، خلفية بُنِّيَّة داكنة. يرسُم سولاج هذه اللمسات في وضعيات عمودية، إلا أنه يقدّمها ضمن طبقاتٍ ثلاثٍ أفقية ومختلفة الارتفاع، يفصل بينها بخطوط أفقية سميكة، محدثا بذلك تباينا بين الاتجاهين الأفقي والعمودي، يساهم في التّعبير عن حركية اللوحة.
يوزّع سولاج لمساته هذه المتجاورة والمتداخلة والمتناضدة أحيانا على أرضية فاتحة رمادية، فيحدِث ذبذبات بصرية وإيقاعات، يؤسس لها تِكرارُ هذه اللمسات وتباينُ الفاتح والداكن ونسيجُ اللوحة الذي يستمدُّه من أثر فرشاته العملاقة على مساحة الحامل.
هو يسعى إلى خلق علامات سحرية تتجاوز ترجمة الواقع، مُعتمدا في ذلك الأسود الذي عبّر عن انجذابه له منذ طفولته والذي يُصبح مُتغيّرا في أعماله ومُعبِّرا عن المطلق. كتب: "أعني بما بعد الأسود، الأسود الذي عندما يتوقّف عن الوجود ويصبح باثا للوضوح وللضوء السّري."
وإن ما يريد إحداثه من خلال حركاته التلقائية، هو التعبير عن الضّخم والشّاسع واللامتناهي، والتي بها يربط جسده وما يتضمنه من أبعاد روحية وشحنات تعبيرية داخلية باللوحة. ولعلّ هذا يمثل أساس الفن الحركاتي، حيث تصبح مساحة اللوحة انعكاسا ومواصلة لجسد الفنان ولتعابيره النابعة من ذاته الباطنية. إن سولاج، ينطلق من دافعه الإبداعي ومن انفعالاته وشاعريته ليتحول الكل إلى العمل الفني عن طريق الحركة. وهو يؤكد لنا أن الرّسم يسبق التّفكير. وهو ما يحيلنا الى أسبقية الفعل إزاء الفكرة. الفعل الذي يصبح مصدر المعنى عندما يرتبط في علاقة جدلية وتلقائية بالخامة والأداة والحامل.
ولقد سعى سولاج إلى تفعيل هذه القناعات متجاوزا بذلك فكرة كلاسيكية تتمثل في تصوُّر العمل الفني قبل إنجازه. وقد عبّر عن هذه الفكرة الرسام الكلاسيكي الجديد دومينين آنجر (1780-1867) في مقولته:"يجب أن تكون لديك اللوحة في الرأس قبل إنجازها". يفتح سولاج لتجربته باب المغامرة لتضفي على أعماله الفنية طابعا لا متوقعا وخصوصيا. يقول: "إني أبحث عمّا أجده وأنا أرسم". مقولة تذكرنا بالجملة الشهيرة لبابلو بيكاسو: "إني لا أبحث بل أجد." وكل من هذين المقولتين تختزلان أهم المبادئ التي طبعت الفن الحديث خلال القرن العشرين وإلى حدِّ اليوم. إن كان الفن الكلاسيكي والكلاسيكي الجديد يمثلان فن المتوقع، فإن الفن الحديث اختار أن يكون فن اللامتوقع، حيث تصبح الصّدفة مصدر إلهام.
سامي بن عامر